الصـــــوم في رجب
روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه واللفظ له عن رجل من باهلة قال
"أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله أنا الرجل الذي أتيتك عام الأول ,
فقال : مالي أرى جسمك ناحلاً ؟ قال : قلت يا رسول الله ما أكلت طعاماً بالنهار , ما أكلته إلا بالليل ,
قال : من أمرك أن تعذب نفسك ؟
قلت : يا رسول الله إني قوي , قال : صم شهر الصبر ويوماً بعده , قلت : إني أقوى
قال : صم شهر الصبر ويومين بعده , قلت : إني أقوى , قال : صم شهر الصبر وثلاثة أيام بعده وصم أشهر الحرم "
ولفظ أبي داود : صم من الحُرُم واترك
واسم الرجل كما في سنن ابن ماجه : أبو مجيبة الباهلي عن أبيه أو عن عمه
واسمه في سنن أبي داود نجيبة الباهلية عن أبيها عن عمها
ولهذا الاختلاف ضعف بعض العلماء هذا الحديث
وقال الإمام الشوكاني : لم يرد في استحباب صوم رجب على الخصوص سنة ثابتة والأحاديث التي تروى فيه واهية
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه أن أبا حفص عمر بن الخطاب كان يضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان ويقول : كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية
وأورد ابن ماجة عن ابن عباس حديثاً بلفظ " نهى النبي -صلى الله عليه وسلم - عن صيام رجب"
والحديث ضعيف , ضعفه الذهبي والشوكاني والألباني
والحـــاصل
لم يرد في رجب على الخصوص سنة صحيحة ولا حسنة ولا ضعيفة ضعفاً خفيفاً بل جميع ما روي فيه على الخصوص إما موضوع مكذوب أو ضعيف شديد الضعف
وغاية ما يتمسك به في استحباب صومه ما ورد في حديث الرجل الباهلي وهو لا يدل على شهر رجب على الخصوص
بدعٌ ومُحدثات في شهر رجب الحرام
أحبتي في الله
قدمنا سابقاً أن لقبول الأعمال شرطان إخلاصٌ ومتابعة
وقد روى أبو سعد بن أبي فضالة الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال : إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمل عمله لله فليطلب ثوابه من عند غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك " حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه
وثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " أي مردودٌ عليه
وقال - صلى الله عليه وسلم- :" وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " رواه مسلم
ويقول الله عز وجل في كتابه الكريم : "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً " المائدة آية 3
فالابتداع في الدين من الأمور الخطيرة التي تناقض نصوص الكتاب والسنة وقد ابتدع بعض الناس في رجب أموراً متعددة ما أنزل الله بها من سلطان
نذكر بعض هذه المبتدعات ونسأل الله السلامة من الابتداع في الدين
1- صلاة الرغـــائب
وهذه الصلاة شاعت بعد القرون المفضلة وبخاصة في المائة الرابعة وقد اختلقها بعض الكذابين وهي تقام في أول ليلة من رجب
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : صلاة الرغائب بدعة باتفاق أئمة الدين كمالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث وغيرهم والحديث المروي فيها كذب بإجماع لأهل المعرقة بالحديث
2- صيام الأشهر الثلاثة سرداً
ويقصد بها رجب وشعبان ورمضان , وهذه من المبتدعات في الدين ونبه على ذلك الإمام ابن القيم في كتابه القيم ( زاد المعاد )
3-إخراج الزكاة في رجب
وتخصيص هذا الشهر بإخراج الزكاة لا أصل له
4-صيام أول خميس من شهر رجب
ولا يوجد مستند شرعي لتخصيصه بالصيام
5-تخيص رجب بأدعية معينة
وهذا أيضاً ليس له مستند شرعي
6- طلعة رجب
فبعض الناس يخصصون أول رجب ووسطه وآخره لزيارة المقابر وهذا من أسوأ وأقبح البدع التي يجب على كل عالم أن يحاربها وكذلك على كل رجل أن لا يقر نسائه على فعل ذلك المنكر
العمرة في رجب
دلت الأحاديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب
كما ورد عن مجاهد قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبدالله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فسئل : كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أربعا إحداهن في رجب . فكرهنا أن نرد عليه قال : وسمعنا إستنان عائشة أم المؤمنين ( أي صوت السواك ) في الحجرة فقال عروة : يا أماه يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبدالرحمن ؟ قالت : ما يقول ؟ قال : يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمرات إحداهنّ في رجب . قالت : يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهد ( أي حاضر معه ) وما اعتمر في رجب قط . متفق عليه
وجاء عند مسلم : وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم .
قال النووي : سكوت ابن عمر على إنكار عائشة يدل على أنه كان اشتبه عليه أو نسي أوشك.
ولهذا كان من البدع المحدثة في مثل هذا الشهر تخصيص رجب بالعمرة واعتقاد أن العمرة في رجب فيها فضل معيّن ولم يرد في ذلك نص إلى جانب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه اعتمر في رجب قال الشيخ علي بن إبراهيم العطار المتوفى سنة 724هـ : ومما بلغني عن أهل مكة زادها الله شرفا اعتياد كثرة الاعتمار في رجب وهذا مما لا أعلم له أصلا بل ثبت في حديث أن الرسول صلى الله عليه قال : عمرة في رمضان تعدل حجة .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في فتاويه : أما تخصيص بعض أيام رجب بأي شيء من الأعمال الزيارة وغيرها فلا أصل له لما قرره الإمام أبو شامة في كتاب البدع والحوادث وهو أن تخصيص العبادات بأوقات لم يخصّصها بها الشرع لا ينبغي إذ لا فضل لأي وقت على وقت آخر غلآ ما فضله الشرع بنوع من العبادة أو فضل جميع أعمال البر فيه دون غيره ولهذا أنكر العلماء تخصيص شهر رجب بكثرة الاعتمار فيه
وقد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة ، ولم يصح شيء من ذلك ؛ فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم وُلد في أول ليلة منه ، وأنه بعث في ليلة السابع والعشرين منه ، وقيل : في الخامس والعشرين ، ولا يصح شيء من ذلك ، وروي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي كان في السابع والعشرين من رجب
فأصبح من بدع هذا الشهر قراءة قصة المعراج والاحتفال بها في ليلة السابع والعشرين من رجب ، وتخصيص تلك الليلة بزيادة عبادة كقيام ليل أو صيام نهار ، أو ما يظهر فيها من الفرح والغبطة ، وما يقام من احتفالات تصاحبها المحرمات الصريحة كالاختلاط والأغاني والموسيقى وهذا كله لا يجوز في العيدين الشرعيين فضلا عن الأعياد المبتدعة ، أضف إلى ذلك أن هذا التاريخ لم يثبت جزما وقوع الإسراء والمعراج فيه ، ولو ثبت فلا يعد ذلك شرعا مبررا للاحتفال فيه لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضوان الله عليهم ولا عن أحد من سلف هذه الأمة الأخيار ولو كان خيراً لسبقونا إليه ، والله المستعان
ولنا حديث طويل قريباً إن شاء الله عن الإسراء والمعراج
أما المشاركة القادمة نلتقي فيها مع ذكر الموضوعات والمكذوبات التي وردت بخصوص شهر رجب
للتحذير منها وعدم الأخذ بها واعتقاد بطلانها
الأكاذيب الموضوعة في شهر رجب
1-" رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي "
قال ابن القيم في المنار المنيف موضوع
قال ابن حجر في تبيين العجب موضوع
قال الشوكاني في الفتح الرباني باطل لا أصل له
وضعفه الألباني في الضعيفة وضعيف الجامع
2-كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال اللهم بارك لنا في رجب و شعبان و بلغنا رمضان
ضعفه النووي في الأذكار
والذهبي في ميزان الإعتدال
وابن رجب في لطائف المعارف
وابن حجر العسقلاني في تبيين العجب
وضعفه أحمد شاكر في مسند أحمد والألباني في الضعيفة
3- فضل رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الأذكار وفضل شعبان على سائر الشهور ، كفضل محمد على سائر الأنبياء ، وفضل رمضان على سائر الشهور ، كفضل الله على عباده
قال ابن حجر العسقلاني في تبيين العجب موضوع
4-إن في الجنة نهرا يقال له رجب أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل من صام من رجب يوما سقاه الله عز وجل من ذلك النهر
ضعفه الحافظ بن حجر العسقلاني في تبيين العجب
وقال عنه الإمام الشوكاني في الفتح الرباني باطل لاأصل له
5-إن في الجنة نهرا يقال له : رجب ، ماؤه الرحيق ، من شرب منه شرع لم يظمأ بعدها أبدا ، أعده الله لصوام رجب
قال ابن حجر العسقلاني في تبيين العجب موضوع
- صوم أول يوم من رجب كفارة ثلاث سنين ، والثاني كفارة سنتين ، والثالث كفارة سنة ، ثم كل يوم كفارة شهر
قال الشوكاني في الفتح الرباني باطل لا أصل له
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع
7-من صام ثلاثة أيام من شهر حرام : الخميس والجمعة والسبت ؛ كتب له عبادة سنتين
ضعفه الألباني في الضعيفة وضعيف الجامع
8-من صلى بعد المغرب أول ليلة من رجب عشرين ركعة جاز على الصراط بلا حساب
قال ابن القيم في المنار المنيف كذبٌ مفترى
9-من صام يوما من رجب وصلى ركعتين يقرأ في أول ركعة مئة مرة آية الكرسي وفي الثانية مئة مرة { قل هو الله أحد } لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة
قال ابن القيم في المنار المنيف كذبٌ مختلق
10-"عن أنس بن مالك قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل رجب بجمعة فقال : أيها الناس إنه قد أظلكم شهر عظيم شهر رجب ، شهر الله الأصم ، تضاعف فيه الحسنات وتستجاب فيه الدعوات ويفرج فيه عن الكربات ، لا يرد فيه للمؤمنين دعوة ......."
قال ابن حجر العسقلاني في تبيين العجب موضوع
11- من صام يوما من رجب, وقام ليلة من لياليه بعثه الله آمنا يوم القيامة
قال الشوكاني في الفوائد المجموعة في إسناده كذاب
12- من أحيا ليلة من رجب, وصام يوما منه : أطعمه الله من ثمار الجنة .
قال الشوكاني في الفوائد المجموعة في إسناده وضَّاع
13- رجب شهر الله الأصم ، من صام من رجب يوما إيمانا واحتسابا استوجب رضوان الله الأكبر
قال ابن حجر في تبيين العجب متنٌ لا أصل له ورُكِّب له إسناداً
14-إن شهر رجب شهر عظيم من صام يوما كتب الله له صوم ألف سنة ، ومن صام منه يومين كتب له صيام ألفي سنة ، ومن صام منه ثلاثة أيام كتب له صوم ثلاثة آلاف سنة ، ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه أبواب جهنم ، ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية فيدخل من أيها شاء ، ومن صام خمسة عشر بدلت سيئاته حسنات ونادى مناد من السماء قد غفر لك فاستأنف العمل ومن زاد زاده الله
قال ابن حجر في تبيين العجب موضوع لا شك فيه
15-رجب من أشهر الحرم ، وأيامه مكتوبة على أبواب السماء السادسة ، فإذا صام الرجل منه يوما ، وجود صومه بتقوى الله ، نطق الباب ونطق اليوم ، فقالا : يا رب اغفر له ، وإذا لم يتم صومه بتقوى الله لم يستغفر له
قال ابن حجر في تبيين العجب فيه راوٍ مذكور بالكذب
16- حديثٌ فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام رجب
قال الذهبي في تنقيح التحقيق لم يصح
وقال ابن رجب في لطائف المعارف في سنده ضعف
وقال الألباني في ضعيف ابن ماجه ضعيف جداً
17- حديث فيه :" ... فمن صام من رجب يوما إيمانا واحتسابا استوجب رضوان الله الأكبر ، وأسكنه الفردوس الأعلى . ومن صام من رجب يومين فله من الأجر ضعفان ، وزن كل ضعف مثل جبال الدنيا ، ومن صام من رجب ثلاثة أيام جعل الله بينه وبين النار خندقا ، طول مسيرة ذلك اليوم سنة ، ومن صام من رجب أربعة أيام عوفي من البلاء ، ومن الجذام ، والجنون والبرص ، ومن فتنة المسيح الدجال ، ومن عذاب القبر ، ومن صام من رجب خمسة أيام وقي عذاب القبر ، ومن صام من رجب ستة أيام .... "
قال الشوكاني في الفوائد المجموعة موضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني وأخواتي الكرام
بهذا نكون انتهينا من حديثنا عن شهر رجب الحرام
والحاصل من كل ما سبق
أنه شهرٌ المشروع فيه ألا نظلم أنفسنا ولا نظلم غيرنا
وذلك يكون بفعل الطاعات واجتناب المحرمات
أما تخصيص هذا الشهر بعبادة معينة فلم يرد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم
ولا عن صحابته الكرام ومن تبعوهم بإحسان
...................
لنا حديث طويل إن شاء الله عن الإسراء والمعراج
في موضوع منفصل قريباً إن شاء الله عز وجل
منقول